التكيّف المحلي من أجل نظم زراعية غذائية قادرة على الصمود ومستدامة
قصة نجاح زراعة الحبوب البعلية في المملكة العربية السعودية
يتركز إنتاج المحاصيل في المملكة العربية السعودية في مناطق محدودة، ولا سيما في المناطق الجنوبية الغربية، خاصةً في جازان وعسير، حيث تشهد هذه المناطق نسبًا أعلى من هطول أمطار (تصل إلى 450 ملم في بعض المناطق)، مما يجعلها مناسبة للزراعة البعلية. وتعد الذرة الرفيعة، والدخن الإفريقي، والسمسم من المحاصيل الرئيسية في هذه المناطق، والتي يزرعها المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة باستخدام طرق تقليدية، حيث تشغل هذه المحاصيل أكثر من 50% من المساحة المزروعة. ومع ذلك، يواجه الإنتاج الزراعي تحديات عديدة تعيق تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية، أبرزها نقص الأصناف المحسّنة وسلاسل الإمداد بالبذور، إضافة إلى قصور في ممارسات الإدارة الزراعية الملائمة، بما في ذلك إدارة الآفات والأمراض. كما يُعاني المزارعون من محدودية في المهارات والقدرات الفنية. وتنعكس هذه التحديات سلبًا على دخل المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة وسبل عيشهم في المناطق الريفية، مما يبرز الحاجة الملحة إلى تبني سياسات وممارسات متكاملة تعتمد على التكنولوجيا والابتكار. ويهدف ذلك إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية، مع الحفاظ على سبل العيش وضمان استدامة الموارد الطبيعية التي تدعم نظم زراعية غذائية.
يركز مكون الحبوب البعلية من مشروع "تعزيز قدرات الوزارة لتنفيذ برنامج التنمية الزراعية الريفية المستدامة"، الجاري تنفيذه بالتعاون بين الوزارة وبرنامج ريف، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، على إدخال أصناف وراثية محسنة من الذرة الرفيعة، والدخن الإفريقي، والسمسم. وفي الغالب، يزرع المزارعون في المنطقة أصنافًا قديمة، حيث لا توجد برامج لتحسين المحاصيل أو إنتاج بذور هذه المحاصيل على نحو منهجي لضمان توفير بذور عالية الجودة من الأصناف المحسنة. وتسعى هذه الشراكة الاستراتيجية إلى تعزيز قدرات المزارعين عبر مجموعة من الأنشطة مثل استخدام البلازما الجرثومية المحلية، وإنشاء بنوك بذور مجتمعية، وإعداد كتالوجات رقمية لطرق إدارة الآفات والأمراض. كما تشمل الجهود تحسين تقنيات وعمليات إدارة التربة والمياه بهدف تعزيز الإنتاج المستدام للحبوب البعلية.
في خطوة رائدة، قدم المشروع، بالشراكة مع المعهد الدولي لبحوث محاصيل المناطق المدارية شبه القاحلة، 47 صنفًا وراثيًا محسنًا في عام 2023، شملت 24 صنفًا وراثيًا من الذرة الرفيعة، و12 صنفًا وراثيًا من الدخن الإفريقي، و11 صنفًا وراثيًا من السمسم، وذلك لإجراء التجارب في منطقتي جازان وعسير. كما قام المشروع بتدريب الموظفين على التقييم العلمي للأصناف المحسنة، وتحديد الآفات والأمراض وإدارتها، وجمع البلازما الجرثومية المحلية في وحدة أبحاث الحبوب البعلية المنشأة حديثًا في مركز الأبحاث الزراعية بجازان. وأجرى الفريق تجارب وقيّم أداء الأصناف الوراثية المحسنة التي تم إدخالها مقارنة بأفضل الفحوصات في ثلاث تجارب مكررة في تاريخين للزراعة، في كل من مركز الأبحاث الزراعية بجازان للبيئة الساحلية ومحطة إكثار البذور في أبها للبيئة الجبلية. وعلاوة على ذلك، أدخل المشروع بعض التكنولوجيات المحسنة في حقول إرشادية مختارة للمزارعين.
تم تحديد أصناف وراثية واعدة من الذرة الرفيعة والدخن الإفريقي والسمسم التي تم تكييفها مع مناطق زراعة الحبوب البعلية في المملكة العربية السعودية، وهي حاليًا قيد التحقق. ومن بين هذه الأصناف، أظهر أحد أصناف الذرة الرفيعة المحسنة والمدعمة بيولوجيًا ICSR 14001 (Parbhani Shakti)، والتي تم تقييمها في حقول معزولة في ظل ظروف إدارة المزارعين في جازان، أداءً استثنائيًا. وأظهرت النتائج أن الصنف الوراثي للذرة الرفيعة (Parbhani Shakti) قد فاق أداء أفضل الفحوصات التي أجريت في حقول المزارعين. مما شجع العديد من المزارعين المحليين الذين أبدوا رغبتهم في زراعته في حقولهم.
يعد (Parbhani Shakti) صنفًا من الذرة الرفيعة المدعمة بيولوجيًا، غنيًا بالحديد والزنك والبروتين، ويتميز بإنتاجية عالية وحجم أكبر للحبوب، وزيادة في إنتاج الكتلة الحيوية. ويمتلك هذا الصنف القدرة على تعزيز الأمن الغذائي والتغذوي في مناطق الأراضي الجافة، بالإضافة إلى مساهمته في زيادة إمدادات العلف للماشية.
في هذا السياق، قالت كاكولي غوش، كبيرة المستشارين الفنيين في المشروع: "إن إدخال هذه الأصناف المحسنة من المحاصيل قد يكون بداية لحقبة جديدة في إنتاج الحبوب البعلية في المنطقة الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية. ونحن نثمن جهود المزارعين المحليين، وقيادة وزارة البيئة والمياه والزراعة في جازان وأبها، وفريق برنامج ريف السعودي على شراكتهم القوية".
ما بدأ كفكرة صغيرة قد تطور ليصبح جهدًا تعاونيًا مبتكرًا بين وزارة البيئة والمياه والزراعة، وبرنامج ريف السعودي، ومنظمة الأغذية والزراعة، والمعهد الدولي لبحوث محاصيل المناطق المدارية شبه القاحلة، في إطار مشروع تعزيز قدرات الوزارة لتنفيذ برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة، مما يعود بالنفع المباشر على المزارعين المحليين. وكخطوة تالية، يجري العمل على إنشاء "بنك بذور مجتمعي" يهدف إلى توفير بذور عالية الجودة من الأصناف المحسنة للمزارعين وكذلك تحديد الأنماط الوراثية المناسبة من الذرة الرفيعة والدخن الإفريقي لاستخدامها كأعلاف متعددة القطع. وتنطوي هذه المبادرة على إمكانات كبيرة لزيادة إنتاجات المزارعين من خلال الاستخدام الأمثل للمياه مقارنة بالمحاصيل الأخرى، وبالتالي تعزيز نظم الأغذية الزراعية الريفية في المنطقة.