دور الأوقاف في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030
اعتمدت الأمم المتحدة في عام 2015 جدول أعمال التنمية المستدامة 2030، ويُعد هذا الجدول برنامج عملٍ للأشخاص والكوكب ككل ويهدف إلى تحقيق الازدهار والسلام والشراكة. وعلى صعيدٍ آخر، أطلقت المملكة العربية السعودية رؤية 2030 في العام ذاته بهدف تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد وتعزيزه ومن ثم تحسين الرفاهية للعامة. وسيتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة والشاملة وكذلك بلوغ أهداف رؤية 2030 وضع نهجٍ شاملٍ وإيجاد حلول مبتكرة تساعد على دمج الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية معًا فضلًا عن تحقيق التوازن بين هذه المجالات. ويتصف قطاع الأعمال الخيرية والمجتمع المدني بأنهما من العوامل المهمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبالمثل، يُتوقع أن تزيد رؤية 2030 من حجم القطاع غير الربحي بما لا يتجاوز 1 إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي وكذلك زيادة نسبة مشروعات هذا القطاع مما يؤثر على إجمالي الناتج المحلي بنسبةٍ تتراوح من 7% إلى 33% بحلول عام 2030.
هذا وأدت المؤسسات غير الربحية دورًا مهمًا في المجتمعات الإسلامية خلال السنوات الماضية يتمثل في تقديم الخدمات الاجتماعية والمساهمة في التنمية من خلال ما يُطلق عليه "الوقف أو الوقف الإسلامي". ويمكن تصنيف الأوقاف المعاصرة إلى عدة أنواع من أبرزها وقف قائم على أصول ووقف استثماري ووقف مؤسسي أو مشروع اجتماعي. وقد أضحى قطاع الأوقاف في العديد من البلدان الإسلامية في سباتٍ عميق فضلًا عن قلة إسهامات الوقف الاجتماعي في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وثمة عدة محاولات أجريت في بعض الدول بغرض إحياء مشروعات الأوقاف وتعزيزها من خلال توفير بيئة ملائمة لتنمية هذا القطاع وتعزيز دور قطاع الأوقاف وتوسيع نطاق أعماله وكذلك تعزيز الكفاءة والفعالية والقدرة الإنتاجية. ويتمثل الهدف من هذه الدراسة في تقديم رؤية استراتيجية واضحة بشأن كيفية استخدام الوقف بوصفه مصدرًا للتمويل المستدام اللازم لتحقيق رؤية 2030 وتحقيق أهدف التنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية.
تُعد المملكة العربية السعودية دولةً غنيةً بالأوقاف نظرًا لمكانتها المرموقة بين الدول الإسلامية. وقد شهد هذا القطاع على مر السنين العديد من التغييرات التي أسفرت عن إنشاء الهيئة العامة للأوقاف في عام 2015 بهدف تنظيم الأوقاف والمحافظة عليها وتطويرها وتنميتها داخل المملكة العربية السعودية، كما تُظهر الأوقاف الحالية مرونةً كبيرةً في تحديد الأنشطة الخيرية ومكانها والأشخاص القائمين عليها وطريقة تنفيذ هذه الأنشطة في ظل القدرات الهائلة المسخّرة لتحقيق رؤية 2030 وأهداف التنمية المستدامة. وقد توصّلنا إلى أن المملكة قد أصبحت في عام 2020 موطنًا لأكثر من 113.000 مؤسسة وقفية تبلغ قيمة أصول الأوقاف بها 235 مليار ريال سعودي بينما بلغ حجم الإنفاق السنوي في المجالات المواءمة لرؤية 2030 7.4 مليار ريال سعودي ووصل هذا الإنفاق إلى 6.1 مليار في المجالات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة وذلك استنادًا إلى تحليل البيانات الأولية والثانوية الصادرة من الهيئات الحكومية والمطروحة في الدراسات القائمة على العينات.
تُمثل أطر العمل الدولية والمعايير والمبادئ التوجيهية المعمول بها لضمان مواءمة أهداف التنمية الوطنية والدولية موارد هائلة لقطاع الأوقاف بهدف تعزيز مساهماته في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة وبما يتماشى مع رؤية 2030. ويمكن تعزيز مساهمات قطاع الأوقات في سبيل تحقيق هذه الأهداف من خلال تحسين القدرة الإنتاجية وزيادة مواءمة القطاع ذاته مع المعايير والمبادئ التوجيهية الدولية على ثلاث محاور مختلفة؛ أولها، لا بد أن تتماشى أهداف مؤسسات الأوقاف مع مبادئ التنمية الاجتماعية الأوسع والمضمنة حاليًا في مع أهداف التنمية المستدامة وكذلك الأهداف المختلفة لرؤية المملكة 2030. وثانيها، يمكن تطبيق المبادئ التوجيهية والمعايير الدولية المعمول بها على مشروعات الأوقاف بغية زيادة قدرتها وتعزيز دورها للمساهمة في تحقق أهداف التنمية المستدامة ورؤية 2030. وأخيرًا، ينبغي أن تُستغل الاستثمارات بحد ذاتها بطريقةٍ مستدامةٍ مع الامتثال للمبادئ التوجيهية الدولية المطبقة على الاستثمارات المسؤولة بينما تُستغل عوائد الوقف الاستثماري للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف رؤية 2030.